Twilight



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

Twilight

Twilight

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى nermo دينى - ثقافى - ترفيهى


    قصة ( محمد الدرة )

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 275
    تاريخ التسجيل : 25/02/2010
    العمر : 30
    الموقع : nermo.forumarabia.com

    قصة ( محمد الدرة ) Empty قصة ( محمد الدرة )

    مُساهمة  Admin الخميس أبريل 22, 2010 8:57 am

    محمد الدرة -ابن الاثني عشر ربيعا- طفل من فلسطين المغتالة، لم يولد وفي فمه ملعقة من ذهب، ولم يقمط عند مولده بالحرير والديباج، فأبوه –جمال الدرة- عامل بناء بسيط، يحرص على رزق يومه ليعول أسرته الكبيرة.

    سقط الطفل محمد برصاص الغدر الصهيوني، أما أبوه –وقد حاول أن يحميه بجسده- فقد سكن جسمه ثماني رصاصات إصابته بالشلل التام.

    وكان استشهاد هذا الطفل الطاهر البريء شرارة أيقظت الضمائر النائمة، وبعثت النبض في القلوب الخامدة، وأجرت في عروق أطفال العرب همة ملتهبة، وفتحت عقولهم لوعي جديد، فرأينا في المدن المصرية أطفال المرحلة الابتدائية يهبون في تظاهرات لا تنقطع، وهم يهتفون "خيبر خيبر يا يهود، جيش محمد سوف يعود"

    و"كلنا درة، كلنا درة، مش حننام أبدا بالمرة" و"كلنا درة، حنخلي عيشتهم مرة"

    ولا ينسى المجتمع المصري قصة طفل مصري –في سن الدرة- هو التلميذ احمد محمد سعيد الذي ترك أسرته، وادر القاهرة ميمما شطر غزة ليشارك أطفال الانتفاضة جهادهم، ويأخذ بثأر احمد الدرة، لم يكن يعرف احمد الطريق، فسافر من القاهرة إلى الإسكندرية، وقضى ليلته في المحطة قبل أن يغادر إلى الإسكندرية إلى العريش، ووصل إلى رفح، وتحمل الجوع والتعب ما يجهد الرجال، وحاول الوصول إلى غزة، فلم يتمكن، وأعاده رجال الأمن إلى أهله بالقاهرة، وعيناه تفيضان بالدموع، وقلبه يتدفق بالحزن، لأنه لم يكمل المشوار، ولم يحقق الهدف الذي خرج من اجله.

    انه مثل واحد يدل على هذه الروح الجديدة التي بدأت تنبعث وتتوهج في كيان هذه الأمة .

    والعالم كله يعلم أن إسرائيل قتلت –وما زالت تقتل- كثيرين من الأطفال والشيوخ والنساء، حتى أصبح قتل طفل عملا إجراميا يوميا في سيناريو العدوان الوحشي الإسرائيلي .

    فلماذا كان قتل محمد الدرة أكثر إثارة وتأثيرا، لا على المستوى العربي والإسلامي فحسب، ولكن على المستوى العالمي كله ؟

    اعتقد أن قوة الإثارة والتأثير التي عكسها هذا الحدث الإجرامي ترجع إلى سببين أساسيين هما :

    1- أن هذا الطفل المسكين لم يكن في الأطفال الذين يرمون الجنود الإسرائيليين

    بالحجارة، حتى يقال: قتل عقابا على ما فعل، ولكنه –كما تثبت الصور- كان يطلب الأمان والحماية، والوصول إلى بر السلامة، فاحتمى بأبيه الذي يلوذ بحائط إسمنتي صغير، وبرميل حديدي، ويحاول الأب أن يجعل من جسمه ساترا آخر يقي ابنه الرصاص .

    2- التغطية التصويرية الحية الكاملة من البداية للنهاية :

    - الأب والابن يحتميان بالحائط الصغير والبرميل الحديدي، وهما يجلسان على الأرض متجاورين ملتصقين، والطفل يحاول أن يدفن رأسه بين ركبتيه، وقد جلس في هيئة احتباء .

    -الأب يرفع يده مستغيثا، ومتوسلا للجنود الإسرائيليين ألا يطلقوا عليهما الرصاص من أعلى .

    - الصرخات والاستغاثات تدوي في الهواء أمام صرخات الرصاص وزئير الانفجارات، وانتشار الدخان .

    - الطفل يزداد التصاقه وتشبثه بجنب أبيه الجريح وظهره، وجزء من قميصه، والفزع يكاد يمزق وجهه وعينيه

    - استغاثات الأب الجريح تزداد مع تدفق الدم من جراحه...بلا جدوى .

    - الرصاصات القاتلة الغادرة تصيب الطفل، وترديه فيهوي بنصفه الأعلى على الفخذ اليمنى لأبيه، وقد انكفأ بوجهه المفزوع على كفيه .

    - الأب يميل برأسه إلى اليمين – بعد أن فارق ابنه الحياة، وأصيب هو بعدة رصاصات، وبدا رأسه يميل قليلا إلى أسفل، كزهرة عباد شمس ذابلة شاحبة، فوق رقبته النحيلة المعروفة، وقد زم شفتيه بصمت مستسلم رهيب، كأنه يخشى أن يئن أو يتوجع فيقلق ولده وهو في نومته الأبدية، وكانت آخر كلماته المفزوعة لأبيه "لو بتحب ربنا احميني يابا" .



    ***



    إنها مشاهد درامية متكاملة في سيناريو قَدَري، تتضائل أمامه كل قدرات الفن، وآليات الإخراج، وبراعات التمثيل .

    كتب الكاتب الفرنسي الشهير "فرنسيس كباتندا" في مقال له في بمجلة "جون افريك": "..... إن محمد الدرة لم يكن ضمن انتفاضة الفلسطينيين، وأيضا لم يكن محترفا في رمي الحجارة، وقد اظهر محمد الدرة للعالم وحشية الشرطي الإسرائيلي، حيث انه لم يكن موجودا بمحض إرادته في هذا المكان، ولكنه وجد نفسه مع أبيه في مواجه الاحتلال للإسرائيلي، أن محمد الدرة لم يكن يملك رصاصا للدفاع عن نفسه، لم يكن يملك إلا قلبا حزينا، وعيونا ملؤها دموع الخوف..." .
    وكان من الطبيعي أن يكون لهذا الحدث المأساوي صداه القوي في الشعر؛ فالشعر مرآة الأمة، ونبض الشعب، ولا عجب أن يكن للشعراء –بما آتاهم الله من رهافة الحس، وقوة العاطفة، وتدفق الشعور- اسر الناس استجابة وتفاعلا مع هذا الحدث الدامي، ومع الطفل الشهيد: محمد الدرة .
    لقد عالج كثيرين من الشعراء مأساة الطفل الشهيد وانطلقوا منها إلى الحديث عن مأساة الشعب الفلسطيني، ونكبة الأمة العربية والإسلامية، ضياع القيم الإنسانية في عالم الأنياب والأظافر، وفي السطور الآتية نعيش بعض ما نظمه الشعراء في هذه المأساة بقدر ما تسمح به المساحة المتاحة .



    ***



    في تصوير بارع يقدم الشاعر احمد بخيت "مناجاة رثائية دامعة" يتحدث فيها إلى الطفل الشهيد، وعليها طوابع الأمومة والأبوة، وروح الشعب الأبي المناضل، وعلى القصيدة يهيمن جو من عبق القداسة صنعته الكلمات والعبارات الدينية والتراثية مثل: قرآن- الإنجيل- الكليم-المسيح-الأمين-المصلين السجود-الق النبوة-البشارة-الأنبياء-المعجزات .

    ويغلب على القصيدة موسيقى وترية منسابة تشبه الموسيقى الجنائزية التي تثير في

    النفس كوامن الأسى والأشجان، يقول الشعر احمد بخيت :



    يا كحلَ عيني يا محمد

    يا رغيف الطيبين

    يا يوم عيدي

    يا شهيدي

    يا مخيم لاجئين

    ................



    احمل سلاحي للكليم

    وللمسيح

    وللامين

    يا ذاهباً للموت وحْدَك

    والجنود على الحدود

    لتعيد للقبل الشفاه

    وللمصلين السجودْ



    وتتحول الموسيقى إلى نبر نحاسي صارخ تبعا لطبيعة الفكرة المؤداة، كما نرى في قول الشاعر :

    يا رامياً حجر الكرامة

    هل رأى البارود عاره ؟

    اقرا علينا آية الثوارِ

    من سفر الحضارة

    ودع رهان الخاسرين

    ومت

    لتنطلق البشارة

    دبابتي لحمي

    دمي البارودُ

    قنبلتي حجارة



    ***



    ويبرز الشاعر ممدوح المتولي –في تجربة إبداعية جديدة- مأساة الطفل المغتال، ولكن على لسان والده في قصيدته "بكاء الأسئلة:إلى ولدي محمد" فقد عالج هذه المأساة بأسلوب قصصي، في شكل أسئلة يطرحها الأب المفجوع على ابنه الشهيد، إنها أسئلة "العارف المدرك"، وكيف يجهل خيوط المأساة من عاشها، واكتوى بنارها؟ هي مأساة توغلت بأحزانها المتسعرة إلى قلوب الأسرة بكل أفرادها:



    من أين جاءتك الرصاصةُ يا محمد؟

    قل كيف ثقبت الجسد؟

    ................



    قل كيف أقرأ وجهَ أمك؟

    إنها بالبيت تنتظر

    قل كيف أقرأ وجه إخوتك الصغار؟

    هم عند باب الدار

    ينتظرون عودة طائر

    غدرُ البنادقِ قتَّله



    وفي تضاعيف القصيدة يجري الشاعر على لسان الأب عبارات الحب الأبوي المكين: يا ولدي – يا حبة العين - يا حبيبي – يا ضنى روحي . ويصعد الشاعر من حرارة العاطفة الأبوية الحانية، والتلاحم الروحي والوجداني، وجاءت الرصاصات الغادرة شهادة على ذلك، فهي لم تسكن جسد الطفل الشهيد إلا بعد أن مرت بصدر الأب الحاني المفجوع :



    جاء الرصاصُ محمّلا بغباءِ سُمِّهْ

    شقت إليك رصاصة صدري

    ومرت من فؤادي

    حشّت عظام الظهرِ

    لم ترحم عنادي

    جاءت إليك، وأنت تصرخ يا أبي

    وأنا أضمك يا محمد



    ***



    وإذا كان الشاعر "ممدوح متولي" قد جعل قصيدته خطابا من الأب جمال الدرة إلى ابنه الشهيد، فان الشاعر "عبد الله بن حسين" جعل قصيدته خطابا موجها من الشهيد محمد إلى أمه، وهو يستهلها بقوله :



    أماه: قولي لي: نعم قد صرتُ في الأقصى عَلَـمْ

    فانا الذي شهد الأنامُ شهادتي يا خيرَ أمْ

    أنا لست يا أماه اصرخ من يهود فذاك ذمْ

    أنا إنما يا أمّ اصرخ من ضياع حِمَى الحرمْ



    والشاعر في قصيدته ينطق الطفل الطاهر البريء بلسان المفكر الكبير والسياسي البارع الواعي، فحماسته للطفل الشهيد واعتزازه به دفعاه إلى تقديمه بصورة تفصله عن واقعه العفوي البسيط، مما يجعل بينه وبين القارئ حائلا كثيفا، وكيف يقتنع القارئ بان الخطاب التالي صادر عن طفل لم يجاوز الثانية عشرة :



    أنا إنما ابكي على موت المبادئ والقيمْ

    موت الأصالة والشهامة والكرامة والشيمْ

    باراك ليس بقاتلي بل قاتلي موت الهممْ



    إن المضمون الفكري للقصيدة فيه عظمة وجلال، ولكنه لا يتناسب مع الواقع العقلي لطفل صغير، ولكل مقام مقال، والبلاغة –كما قالوا- مراعاة مقتضى الحال .



    ***



    وفي مقام الإدانة لا ينكر عاقل أن اغتيال الدرة يصم إسرائيل بالوحشية والخسة والنذالة، وهي جريمة هزت كل الضمائر في العالم كله من مسلمين ومسيحيين .

    ويقدم لنا الدكتور القس مكرم نجيب –راعي الكنيسة الإنجيلية بمصر الجديدة بالقاهرة- قصيدة حوارية رائعة، أدار الحوار فيها بين احد المواطنين، والطفل الشهيد محمد الدرة، ونكتفي منها بقطف واحد من قطوفها: يطرح المواطن عددا من الأسئلة على محمد الدرة، منها :



    من دنّس الأقداسْ واغضب الرحمنْ؟

    من اسكت الأجراس وأشعل النيران؟

    من حطم الإحساسْ ودمر الإنسان؟

    فيجيبه محمد الدرة :

    هم عصبة السفاحْ هم حفنة الأنذالْ

    قد أزهقوا الأرواح واهلكوا الأطفال

    واطفأوا الأفراح وبسمة الأجيال

    لم يرحموا دمع أبي أو يرحموا خوفي

    بل أطلقوا نيرانهم فالتهمت جوفي

    ولم أبال سيدي بمصرعي أو مولدي

    بل كل ما عذبني هو احتراق والدي...

    وكل ما يشغلني هو انعتاق بلدي



    ونرى كثيراً من الشعراء يلقون باللائمة على حكام العرب وكبارهم بدعوى بدعوى أنهم فرطوا في القضية، ولم يعطوها من الاهتمام العملي ما كان يجب أن يكون في حجم هذه القضية الكبرى، وكثيرا ما يصل الأمر إلى حد الإدانة الصريحة، والاتهام الصارخ المتسعر، كما نرى في قصيدة الشاعر عصام الغزالي "لا تجهضوا حلم الصغار" :



    والله يشهد إنكم سحب الدخان بغير نارْ

    النار صار وقودها الإفلاتُ عن عجز الكبار

    وشهيدها طفل رَمى ثم ارتمى تحت الجدار

    من فضلكم لا تفتحوا باب الحوار والاعتذار

    عودوا فقد صدئ الحديدُ، وملّنا صبرُ الحمار

    ودعوا لأطفال الحجارة وحدهم اخذ القرار

    إن فاتكم غليانكم لا تطلبوا كتم البخار

    إن الدماء إذا جرتْ كتبتْ وثائق الانتصار

    والطفل يعرف شهقهُ مات الصغير بغير عار

    لبيك يا مسرى النبيِّ أنا الصريع على الطوار

    لله يا صُنعَ الفتى لا تجهضوا حلم الصغار



    ***



    ويفضح الشاعر جابر قميحة منطق هؤلاء الكبار الذين ينكرون على المجتهدين جهادهم، ويصرخون فيهم :



    إنّا ملكنا البديل الفذ في يدينا حتى يسود التُقى والعدلُ السَّـلَـمُ:

    مباحثات وتصريح ومؤتمر كذا عناق يليه الوعدُ والقسمُ

    وان تمادى العِدى فالحل مؤتمر ضخم لنشجب ما عاثوا وما أثموا



    وينحو الشاعر "مصطفى مقلد" منحى ثالثا: فيتوجه بخطابه إلى الطفل الشهيد محمد الدرة، ومن خلاله يسوق "قرار الاتهام" ويفضح حقيقة هؤلاء الحاكمين، وما جنوه على شعوبهم، وذلك في قصيدته الرائعة "دمعة على قبر الشهيد محمد الدرة" :



    الجاثمين هياكلا فوق الشعوب

    لهم أياد من حديد

    شرْعهم: لا شرعَ... لا أخلاقَ

    لا عهدا لدين

    أفديك يا ولدي بمن خانوا

    ومن جبنوا على مرّ السنين

    البائعين ديارَهم

    والمالئين كروشهم

    العابدين عروشهم

    والحاضرين الغائبين

    يا ليتهم كانوا مكانك

    عند قتلك

    صاغرين... مصفّدين

    يا ليتهم إذ شيعوك

    مضَوا كذلك أجمعين



    ***



    إن التغافل والاكتراث‘ وضعف الشعور بالمسؤولية والتفريط بالأمانة التي أنيطت بأعناق الكبار والحكام، والانصراف عن الجادة المستقيمة إلى زخارف الحياة الدنيا وزينتها....

    كل أولئك دفع الشاعر وحيد الدهشان إلى التدفق بالغضب والنقمة على الكبار والحكام، حتى أن يرى في الموت عافية وخلاصا من التسلط والهوان، فنراه يخاطب الدرة قائلا :



    عوفيت بالقتل فالناجون قتلانا والنذل يأنف منّا حين يلقانا

    كم ضاع مثلك آلاف بلا ثمن ونال حكامنا في السلم نيشانا

    أبدى عليك عمق الحزن بعضهمو والحزن يغدو بما يجنون احزنا



    ***



    وقصيدة الشاعر عبد الله رمضان، وعنوانها "فسلاحهم شجب وثورتهم تخاذل" لا تخرج في محتواها الفكري عن مضامين القصائد السابقة، ولكنها تتميز في أدائها التعبيري بقوة الإيحاء، والتدفق الموسيقي العالي، وجاء روي اللام الساكنة كأنه طلقات المدافع، وتأتي الادانات تترى في شكل أحكام سريعة متتالية لا يفصل بينها سوى الروى الصارخي القارع :



    الكلُّ باطلْ

    والكل قاتلْ

    والكل في بئر الخيانة والرذائلْ



    ومع ذلك لم يستسلم الشاعر للحزن، ولم يتسرب إلى نفسه الياس، فهو يرى أن الأمل معقود بالأطفال الذين يجابهون العدو الغاشم بحجارتهم، وبعزيمتهم تتحقق من جديد أمجاد أسلافنا الأبطال العظام :



    الليل راحلْ

    والصبح داخلْ

    بدم الشهيد يسيلُ ما بين المداخلْ

    وبقلبه المحروق في لهب القنابل

    وبصدره المخروق من رشاش سافل

    الليلُ زائلْ

    بدم الثكإلى والأراملْ

    من حفنة الأحجار تقذفها الأناملْ



    ***



    وثمة ملمح فكري جديد يبرزه الشاعر توفيق الحاج في قصيدة له، وخلاصة ان استشهاد محمد الدرة كان يجب أن يكون دافعا للكبار للتخلي عن المهازل والموبقات والتشاحن والتباغض، فيخاطبهم على شدة ومرارة قائلا :



    يا سادة العربْ

    يا صفوة العربْ

    محمد الصغير قد ذهبْ

    وانتمو تتعاظمون كساحلِ الجليدِ

    أو كيابس القصبْ

    محمد الصغير قد ذهب

    وانتمو أمام تلفازاتكم تشربون

    ترقصون

    تتصاقطون دون تعب

    محمد الصغير قد ذهب

    وانتمو أمام تلفازاتكم

    تتشاتمون... تصرخون::: تغضبون

    وقتما لا يستحي الغضبْ



    ***



    ويوسع الشاعر عبد الرحمن العشماوي "دائرة الاتهام" فيرى أن مسؤولية اغتيال الطفل محمد الدرة وغيره من الأبرياء، وكذلك ضياع الأرض وحقوق الشعب الفلسطيني لا تقع على إسرائيل والصهاينة فحسب،بل تقع كذلك على العرب حكومات وشعوباً، وعلى أمم العالم والمنظمات الدولية التي لا تنتصر إلا للقوي الغاشم، فيهتف بلهجة غضب وأسى على لسان جمال الدرة والد الشهيد محمد الذي كان الشاعر يعتقد أن اسمه رامي:



    يا أهل النخوة من قومي من يَمَنِ العربِ إلى الشامِ

    يا أهل صلاةٍ وخشوع يا أهل لباسِ الإحرام

    يا كل أبٍ يرحم ابنا يا كلّ رجال الإسلام

    يا أهل الأبواق أجيبوا يا أهل السبق الإعلامي

    يا هيئة أمم مُقعدةً تشكو آلاف الأورام

    يا مجلسَ خوفٍ احسبهُ أصبح مأجور الأقلام

    يا أهل العولمةِ الكبرى يا اخلص جندِ الحاخام

    يا من سطرتم مأساتي ورفعتم شأن الأقزام

    يا أهل النخوة في الدنيا أَوَ لَستم أنصار سلام؟

    أَسلامٌ أن تسرق ارضي أن يُقتل في حضني رامي؟



    ويؤكد العشماوي هذا المعنى في قصيدته الثانية التي جعلها بعنوان: "هو رامي أم محمد" وهذه القصيدة تعد من أرقى ما نظم الشاعر تصويراً وتعبيراً، وقد برئت القصيدة من التقريرية، والإغراب الانفعالي، وارتكزت على صورة المشهد / المأساة، فكانت عبارة "صورة المأساة تشهد" هي العبارة المحورية التي يصدر بها الشاعر كل "قرار" من قرارات الإدانة.

    وأقل ما يقال عن جناية العالم المتحضر انه وقف متفرجاً على المأساة، لا يحرك ساكناً:



    صورة المأساة تشهدْ

    أن طفلاً وأباً كانا على وعد من الموت محدّدْ

    مات رامي أو محمدْ

    مات في حضن الأب المسكينِ

    والعالم يشهدْ

    مشهدٌ أبصره الناسُ

    وكم يخفى عن الأعين مشهدْ

    ......

    إنّ حسّ العالم المسكون بالوهم مبلّدْ

    إن شيئاً اسمه العطف على الأطفالِ

    في القدس تجمدْ

    وهذا هو نصيب العالم "المتحضر" من مسئولية المأساة، أما نصيبنا – نحن العرب والمسلمين – فهو – للأسف – نصيب واف، كثفه الشاعر في عجالة، ربما لأنه بدهية لم تعد تحتاج إلى تفصيل:

    صورة المأساة تشهد

    أن جرح الأمة النازف منها لم يضمد

    أن دين المجد ما زال علينا لم يسدد

    أن باب المجد ما زال عن الأمة يوصد

    لكن الشاعر – مستنطقاً صورة المأساة – يعدد جنايات الصهاينة وجرائمهم، وقتل الدرة واحدة منها، فصورة المأساة تشهد:

    أن إرهاب بني صهيون

    في صورته الكبرى تجسد

    أن لصا دخل الدار وهدد

    أن جيشاً من بني صهيون

    للإرهاب يحشد

    أن نار الظلم والطغيان توقدْ

    أن أشجارا من الزيتون تُجتثّ

    وفي موقعها يُغرس غرقد

    أن ما أدلى به التاريخ من أخبار صهيون مؤكّدْ

    **

    إن الموضوع يحتاج إلى استيفاء أكثر وأشمل وأوفى، لأن القضية ليست قضية طفل شهيد، ولكنها قضية شعب ذبيح على أيدي عصابات متوحشة خسيسة في عالم لا اعتبار فيه إلا للقوي الغاشم.

    ونحن – العرب والمسلمين – يجب أن ننطلق في سلوكياتنا وتعاملنا مع الآخرين من هذا المفهوم، كما أن علينا أن نفيد من وقائع الواقع المر الدامي الذي نعيشه، ونعد أبناءنا من صغرهم لمستقبل المعاناة والجهاد والصبر والمصابرة، وليس هذا بالصعب والمستحيل ما خلصت النوايا، وصدق العزم وكرسنا الجهود، وتوكلنا على الله.

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت نوفمبر 23, 2024 2:13 am